الاستطلاع الذي يهز النقب: أغلبية السكان البدو فقدوا الثقة برؤساء السلطات المحلية والفجوة مع الدولة تتسع
يكشف استطلاع شامل أجري مؤخرا بين سكان البلدات البدوية في النقب صورة مقلقة للغاية حول مستوى الثقة بالقيادة المحلية وقدرتها على توفير الأمن والخدمات والتخطيط طويل المدى. البيانات ترسم واقعا متراكما من الإحباط، التآكل بالثقة، وشعور واسع بالتجاهل، إلى جانب توقع واضح لتدخل حكومي مباشر ووضع خطة شاملة تعالج جذور الأزمة بدلا من الاكتفاء بالتصريحات.
في ما يتعلق بالأمن الشخصي، تظهر النتائج وضعا خطيرا. أغلبية ساحقة من المشاركين في الاستطلاع تعرف الوضع الأمني على أنه سيء جدا، مع انتشار السلاح غير القانوني، إطلاق النار، الجريمة بين العائلات وشبكات الإجرام. بالنسبة للكثيرين، قضية الأمن الشخصي أصبحت أولوية تفوق أي نقاش سياسي أو اجتماعي.
كما تظهر نتائج الاستطلاع استياء عارما من أداء السلطات المدنية: نقص البنى التحتية، ضعف منظومة التعليم والخدمات البلدية، غياب تخطيط تنموي حقيقي، وعدم قدرة السلطات على قيادة مسارات تطوير طويلة الأمد. ورغم الاستثمارات الحكومية في السابق، يشعر المواطنون أن السلطات لا تعمل بكفاءة ولا تقود تغييرا فعليا.
واحدة من النتائج البارزة تشير إلى أن جزءا كبيرا من السكان يطالبون بتعاون مباشر مع الدولة والجهات المهنية لإحداث تغيير حقيقي. الرسالة الواضحة هي أن الثقة بالقيادات التقليدية تآكلت وأن الجمهور يريد قيادة جديدة بعمل فعلي وليس شعارات سياسية. المواطنون لا يريدون مزيدا من الخطابات بل يريدون استقرارا، تطبيق قانون، تطويرا اقتصاديا، وسلطة محلية قادرة على العمل..jpg)
ويوضح الاستطلاع أيضا وجود قابلية متزايدة لدى السكان لتبني نماذج إدارة مشتركة بين الدولة والسلطات المحلية إذا ركزت على الأمن، الخدمات، تخطيط الأراضي، التعليم وتحسين جودة الحياة.
رغم ذلك، تكشف النتائج عن فجوة كبيرة بين الجمهور والقيادات في البلدات البدوية، خصوصا في أماكن لم تشهد تغييرا قياديا لسنوات طويلة. في عدة بلدات بدأت أصوات داخلية تطالب بتجديد دماء القيادة.
غياب رؤساء السلطات البدوية عن مؤتمر الطوارئ الذي دعا إليه رئيس بلدية بئر السبع روبيك دنيلوفيتش لمناقشة أزمة الأمن في النقب لم يكن أمرا مفاجئا على ضوء هذه المعطيات. نسب انعدام الثقة العالية تجاه القيادات المحلية، إلى جانب الشعور بالانفصال بينها وبين السكان، يعكسان مدى قصور المنظومة الحالية في التعامل مع الأزمة. في واقع يرتفع فيه مستوى الجريمة ويتراجع فيه الشعور بالأمان، بينما لا يرى المواطن تغييرا من قيادته المحلية، يتعمق السؤال حول من يتحمل المسؤولية..jpg)
الاشتباكات الكلامية المتكررة بين رؤساء سلطات بدوية والوزير للأمن القومي إيتمار بن غفير خلال زياراته للجنوب تتماشى مع معطيات الاستطلاع، وتؤكد عمق الخلاف بين إرادة التغيير الميداني وبين من يرى في التغيير تهديدا لمكانته. في حين تطالب غالبية المجتمع البدوي بالإصلاح، يظهر أن جزءا من القيادات غير مستعدة لاستقبال هذا التغيير.
الاستطلاع يشكل جرس إنذار وطني: أزمة الثقة في المجتمع البدوي لم تعد مسألة محلية بل قضية دولة. أي محاولة لحل جزئي أو مؤقت ستفشل دون خطة استراتيجية وبنائية شاملة. سكان الجنوب يلوحون برسالة واضحة: المستقبل يعتمد على الشراكة، فرض النظام، تطوير التعليم والاقتصاد، وإعادة الثقة بين المواطن والسلطة.
النقب يقف عند مفترق طرق. هذا الاستطلاع ليس مجرد أرقام بل وثيقة اجتماعية تحذر من انهيار ثقة خطير. الكرة الآن بملعب صناع القرار. هل سيجرؤون على التغيير أم سيسمحون للأزمة بالنمو دون نهاية؟




















